فرمان محمود / مقال
المضي نحو التغيير أو الرغبة فيه كان وسيبقى الأمل الذي رافق الإنسان باختلاف الزمان والمكان في جميع المجتمعات وعلى مختلف المستويات، وتبرز الحالة بشكل أكثر وضوحاً وحاجة في المجتمعات المتخلفة وما تحتويها من أطر وأنماط تسعى للتغيير وبحاجة إليه، وذلك للخروج من حالة التهميش الذي تعيشه، سواء كانت حالة داخلية أو مفروضة من الخارج، وبشكل عام يظهر هذا الأمر جلياً في الأطر السياسية التي تعتبر الواجهة الحية لأي كيان اجتماعي أو مجموعة قومية، هذه الأطر التي تقدم نفسها على أنها المطالبة والحاضنة والراعية لأية مطالب تخص هذه المجموعات، وتدافع عنها بمختلف الأشكال والوسائل النضالية.
أن الحاجة للتغيير لا تظهر وليدة المصادفة التاريخية أو مع وجود عوامل تدعو له صراحة، بل هي عملية متدرجة تبدأ مع فكرة العمل السياسي نفسه وبداية العمل به، من خلال ضرورة وضع آليات التغيير في مكانها الصحيح وأنه سيتم تفعيلها مع الانتقال من فكرة العمل إلى العمل نفسه، أي مع الانتقال من النظرية إلى التطبيق وما قد يصادف هذه العملية من صعوبات وتحديات على أرض الواقع، كما أن التغيير يختلف حجمه ونوعه وشكله وأدواته باختلاف البيئة التي يراد التغيير فيها، وعادة تكون عملية التغيير بالغة التعقيد والصعوبة وعلى سويات عالية من الشمول حينما تأتي العملية على مستوى دولة أو كيان أو مجتمع ما، حيث تتداخل أسباب وثقافة وأرضية ومتطلبات التغيير بشكل يصعب تحقيقه إلا وفق برامج معدة لحالة معينة وعلى فترات زمنية متعددة، وإذا أخذنا بعين الاعتبار تداخل متطلبات وعوامل التغيير مع شكل التغيير الخارجي المراد فرضه أو إضفاءه في أضعف الحالات، تصبح عملية التغيير غاية التعقيد. لكن بإسقاط الحالة على حزب سياسي يصبح التغيير أحد متطلبات الديمومة والنجاح لعمل الحزب ونضاله، وربما الأمل الذي بواسطته يتمكن من الاستمرار بالاستقطاب الجماهيري، ومع الأخذ بالاعتبار بساطة البناء الحزبي ومحدودية عملية التغيير تصبح هذه العملية واضحة وبسيطة، تضمنها وتحققها الآلية التشاركية والبناء الحزبي والعمل المؤسساتي، هذه المقومات إن وجدت ستجعل عملية التغيير متوافقة ومحققة لأنماط فكرية وثقافية قادرة على توجيه عملية التغيير دون إرباك المشهد العام أو أحداث الفوضى فيه، خاصة أن بنيان أغلب أحزابنا الكردية من الهشاشة والضعف بما يجعل أي عملية تغيير مرادفة لعملية الانقلاب بحكم آليات العمل الفردي والهيمنة والإقصاء والتفرد والهيكلية الهرمية المبنية على انتقاء غير صحي، وفي أغلب الأحوال على انتقاء مرضي غير سوي ناتج عن موروث بالغ الترهل من الأنا الشخصية والمحسوبيات وعوامل القرب والبعد من الشخص الأول داخل التنظيم الحزبي.
وفي محاولة للحفاظ على التوازن، أو على الأقل إبقاءه، جاءت فكرة اقتران التغيير بالمؤتمرات الحزبية ليتم شرعنة التغيير المؤقت، بمعنى أدق وأوضح: يتم تحوير التغيير من عملية مستمرة غير متوقفة إلى عملية آنية محدودة، أو ما يمكن أن يطلق عليها تسمية جرعات التغيير بدلا من التغيير نفسه، أو حتى التظاهر بالتغيير بدلا من التغيير، وتسويق مفردات التبديل أو تفعيل القديم أو التعديل أو الاستبدال على أنها عملية تغيير، لتكون النتيجة غياب الانتقال من حال سيئة إلى حال أفضل على مستوى المجموع، الذي هو الحزب في كليته، وكبح الانطلاق المستمر للمستقبل على نحو أفضل.
إضافة للاقتران المتعمد بين مفهومي التغيير كغاية وآلية والمؤتمرات، كان طرح فكرة ثوابت الحزب كعملية إجهاض للتغيير، في خلط متعمد بين الثابت والمتغير بالنسبة لأي حزب سياسي أو حتى أي نسق فكري أو مجتمعي، فمعادلة الثابت والمتغير موجودة دوماً وعلى جميع المستويات، ولكن الذي حدث وما يزال يحدث هو الخلط بينهما أو تغليب أحدهما على الأخر، بينما حقيقة الأمر هي لا تعدو كونها عملية لجم للتغيير بذريعة الثوابت، رغم أن وجود الثوابت لا ينفي أو يلغي عملية التغيير، بل العكس من ذلك، يضفي التغيير على الثوابت الأصالة والرقي والتعميم ويخرجها من دوائر الاختزال الضيق والآفاق المحدودة إلى فضاء مجتمعي أوسع، وتصبح الثوابت بذلك هي بوصلة التغيير وصمام أمان.
إن برامج التغيير وآلياته كانت دائما موجودة في معظم أحزابنا الكردية، ولكنها لم تظهر إلى السطح ابدا، وبدلا من أن تكون مؤتمرات هذه الأحزاب مدخلا للتغيير كانت محطات لشرعنة اللاتغيير، وكانت النتيجة صادمة دوماً، تاريخٌ طويلٌ من المؤتمرات الحزبية الفاشلة والانشقاقية في أغلبها، وليس مبالغة القول بأن مؤتمرات الأحزاب الكوردية سعت بدلاً من زرع بذور التغيير إلى زرع بذور الفشل والشقاق.
إن غياب ارادة التغيير لدى قيادات الأحزاب الكوردية والكتل الحزبية المرتبطة بها والتابعة لها، وعدم محاولتها امتلاك ثقافة التغيير وترسيخها في المناهج الحزبية ولدى الرفاق والعمل بموجبها ستبقي احزابنا أسيرة اللافعل، تجتر هزائمها باستمرار وتفقد ثقة جماهيرها مع الوقت، هذه الجماهير التي باتت الآن في خيبة أمل نتيجة تكرار السيناريوهات ذاتها مع كل مؤتمر لحزب كوردي، ولم تعد هذه الجماهير تعوّل الكثير على أحزابها السياسية، وأن أي محاولة لتطعيم الحالة بدلا من تغييرها لن تكون سوى محاولة لتغيب التغيير نفسه وابقاء واقع الحال على حاله.
خبات شيخو / شبكة أخبار تل تمر


0 التعليقات لــ "إرادة التغيير أولاً"