شكلت القضية الكردية في سوريا جدلاً كبيراً منذ
ولادة الدولة السورية، واختلفت التوجهات
السياسية للأنظمة الحاكمة على دمشق منذ
ذلك الوقت في النظر إلى الكرد وقضيتهم. فلم
ينظر إلى تلكم المسألة على أنها قضية وطنية
ومعضلة كبيرة لجزء من الشعب السوري. ظلت
القضية خطراً لا يجوز الاقتراب منه، وأي كردي
ينخرط في أي نشاط حول قضيته دفع من حياته
ثمناً باهظاً. وتعد فترة حكم البعث منذ انقلابه في
آذار 1963، من أظلم الفترات بحق الكرد وقضيتهم
في سوريا.لم تناقش القضية الكردية يوماً ما علناً
في سوريا، إلا في العقد الأخير. وخاصةً بعد
الانتفاضة الكردية في آذار 2004. حيث قتل النظام
السوري حينها العشرات من الشبان الكرد، وزج
بالآلاف في سجونه على خلفية مباراة كرة قدم.
تتداول لأول مرة المسألة الكردية في سوريا
بشكل رسمي، فيتحدث بشار الأسد في ذلك
الوقت بأن الكرد جزء من النسيج الاجتماعي
والوطني في سوريا.
اعتراف الأسد ونظامه بالكرد كوجود أو حتى
كانتماء لسورية كلف دماء غالية من أبناء الشعب
الكردي. ومع ذلك لم يتقدم الأسد بأي مشروع
لحل القضية الكردية، والتي كان سقف الحركة
الكردية السياسية الحقوق الثقافية والاجتماعية
والسياسية والاقتصادية. ولم يقدم أي حزب كردي
داخل سوريا أي مشروع انفصالي أو استقلال أو
حتى حكم ذاتي.
كانت الإدارة الذاتية للمناطق الكردية حلماً كردياً
خلال عقود خلت.بعد انطلاقة الثورة السورية في
آذار 2011 أصدر بشار الأسد مرسوماً حمل الرقم
/49/ نيسان 2011، أي عقب شهر واحد فقط من
اندلاع الاضطرابات، وقبل أن تأخذ منحى الثورة ثم
الحرب الأهلية والطائفية.
المرسوم جاء لإعادة الجنسية لأكثر من ربع مليون
كردي وربما أكثر "لا يعرف بالضبط عدد الكرد الذين
تم تجريدهم من جنسيتهم عام 1962 إلا أن تقريراً
سابقاً لمنظمة هيومان رايتس ووتش المعنية
بحقوق الإنسان قد ذكر أن الحكومة السورية، وبناء
على المرسوم التشريعي رقم 93ع لعام 1962،
جردت حوالي 120 ألف كردي سوري من الجنسية
السورية. ثم قالت منظمة العفو الدولية (أمنستي
إنترناشيونال) إنه نتيجة للتزايد الطبيعي للسكان
أصبح عدد المحرومين من الجنسية السورية من
الكرد في ذلك العام، ما بين 200 و360 ألف
شخص".
كان ساطعاً كنور الشمس أن الأسد الابن
يريد استمالة الكرد، وتحويرهم وتحييدهم من أي
انخراط في صفوف الاضطرابات، حيث يشكل الكرد
القاعدة الشعبية الأكثر تضرراً من النظام البعثي.
إلا أن الشعب الكردي خرج في مظاهرات في كل
مناطقه معلناً رفضه هذه الجنسية وكرر مطالبته
بالحرية.
اصطدم الكرد بالمعارضة السورية في مؤتمر
الإنقاذ الوطني، حيث انسحب الحضور الكردي
بسبب تلاعب المعارضين بوثائق المؤتمر، وخاصة
أن الجموع اتفق على أن تدرج عبارة "الجمهورية
السورية" بدلاً من "الجمهورية العربية السورية"
كتسمية جديدة للوطن السوري. وهو الاسم الذي
كان معتمداً قبل تغييره عقب الانفصال عن الوحدة
مع مصر عام 1961.
حيث كان القول إنه بعد اعتماد علم الاستقلال
كعلم الثورة والمعارضين، كان لزاماً أيضاً اعتماد
تسمية الدولة لذلك الوقت.توالت المصادمات
السياسية بين الكرد والعرب داخل صفوف
المعارضة، وهناك شرخ عميق بين الطرفين
وحالة عدم ثقة تكاد تنعدم في كل مجاميع
المعارضة التي تشكلت عقب الثورة. ظلت القضية
الكردية مشكلة لدى المعارضة كما النظام، ولو أن
الطرفين "النظام والمعارضة" يدعيان بقبول الكرد
كجزء من الشعب السوري، إلا أنه في الواقع كلام
هراء.قدم النظام السوري نفسه كحامٍ للأقليات
الدينية والقومية، وكنظام علماني مدني. ولأول
مرة سمح بتعليم اللغة الكردية في إحدى أهم
المرافق العلمية السورية جامعة دمشق. كما
اعترف بتشكيل تنظيمات سياسية تزعمها رجالات
الأسد من الكرد. وعين أحدهم عضواً في مجلس
الشعب.
واحتفل بعيد النوروز علانية ورسمياً على التلفزيون
السوري "لأول مرة يحدث في التاريخ السوري
ظهور مذيعات سوريات بالزي الكردي التقليدي،
وتعزف الموسيقى والأغاني الكردية، ويسمع
الكلام الكردي عبر أثير الإذاعة والتلفزة
السورية".
النظام يكذب قولاً واحداً، وهو منافق ولا يحب الكرد
ولا يقبلهم، ولكن! عرف النظام كيف يلعب اللعبة
بشكل صحيح. في حين يحتفل تلفزيون الأسد
بعيد النوروز رسمياً داخل دمشق، كان "اتحاد
الديمقراطيين السوريين" -وانظر إلى الاسم جيداً-
يمنع شاباً كردياً من رفع العلم الكردي في حفلة
في مدينة غازي عنتاب التركية بمناسبة سنوية
الثورة السورية. بل وطلب أحد "الديمقراطيين" أن
تتوقف المغنية الكردية عن الغناء وتنزل من على
المسرح.النظام السوري بارع في النفاق ويتقن فن
الخداع والدجل، ولكن أرسل رسائل مهمة جداً
للكرد وللعالم.
ففي مقابلة مع وزير الإعلام السوري
عمران الزعبي قال أنه يمكن للدولة السورية
مناقشة الإدارة الذاتية المعلنة من طرف كردي
واحد في المناطق الكردية. في حين "أصدر
المجلس الوطني السوري" بيانين في ذكرى
الانتفاضة الكردية 12 آذار 2004 وفي مناسبة عيد
النوروز لم يذكر قط كلمة كردي في البيانين
المذكورين.
مناسبتان كرديتان مهمتان جداً، لا تقبل
فئة مهمة من المعارضة السورية ذكر اسم "الكرد"
فيها. يقول الكردي في نفسه "ألهذه الدرجة صعب
على المعارضة العربية قول كلمة كرد أو
الكردية؟".لا يفهم من الكلام أعلاه أن النظام
السوري أفضل من معارضته العربية، ولا يفهم منه
أيضاً أن المعارضة العربية السورية هي بقدر ظلم
ودكتاتورية النظام. إلا أنه كردياً لم يعترف النظام
السوري ولا المجاميع الثورية السورية بالقضية
الكردية كقضية وطنية تهم الشعب السوري ككل،
والكرد كجزء منه.
الأمر الذي يدفع بالكرد نحو المزيد
من العزلة عن الأخر العربي، ويطرح الكردي اليوم
الفدرالية كنموذج إدارة الوطن السوري، أو الحكم
الذاتي أو الإدارة الذاتية للمناطق الكردية. فهذا إن
دل على شيء إنما دليل أن الكرد يحولون أحلام
الأمس إلى واقع حقيقي اليوم. فطالما لا يقبل
الأخر العربي بالكردي كما هو عليه كقومية ولغة،
وثقافة مختلفة، فلما العيش بين مجموع لا يريده
ولا يقبل اختلافه وتمايزه؟!


0 التعليقات لــ "مقاربة القضية الكردية بين النظام والمعارضة السورية"